قراءة فى خطاب غزوانى/محمد محمود بكار

اثنين, 2021/11/29 - 17:03

كنت أنتظر مثلي مثل كل الموريتانيين الخطاب الذي سيلقيه رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال،فنحن كلنا ننتظر الإجابة من لدن الرئيس على الكثير من الإشكالات ، وقد أظهر الخطاب واقعية كبيرة للرئيس ودراية بكل الأمور في البلد ورغم أنه مجرد خطاب فقد تعرض لتشريح الوضعية العامة للبلد خاصة القضايا الأساسية والجوهرية والمتعلقة بتسوية الاختلالات وتقديم رؤية بما ينوي القيام به سواء بالنسبة للإصلاحات أو بالنسبة للآفاق ، صحيح أنه لم يقم بجردة الحساب من قبيل التعرض للتفاصيل ، ولم يتحدث عن الصعوبات التي اعترضته على جميع الأصعدة لكي تعيش الناس معه نفس ما قاساه من معاناة لكي يصل إلى هذه الوضعية" الثورية" مقارنة بالحالة التي وجد عليها البلد ،فعلى المستوى الاقتصادي كانت الدولة مفلسة :خزينة بها 21مليار أوقية وديون تجاوزت 5 مليارات دولار وثقة مالية في الحضيض وانعدام قدرة تحمل وانعدام المصداقية الخارجية بنك خارجي واحد يضمن لموريتانيا العمليات الخارجية بالدولار ويرتعد من المؤسسات النقدية الأمريكية التي تعتبر الدولة الموريتانية وقطاعها النقدي ضمن دائرة التهمة بتبيض الأموال ، ومنعت التعامل معها في منطقة الدولار .
وعلى المستوى الإداري فقد تم تدمير الإدارة بالنسبة للتراتبية وبالنسبة للكفاءة والأهلية والتحصيل العلمي ،وكانت الوظائف الحساسة بالنسبة لإنتاج الرؤى والتصورات والدراسات وجلب الاستثمارات والمصادقة على المشاريع ،يشغلها أي أحد يملك شهادة مزورة أو متوسطة يحصل على وساطة ،وظلت الدولة تُدار من طرف موظفين يفتقدون للمستويات العلمية والوطنية ويظل همهم الاساسي الاقتطاع من الصفقات العمومية ومن ميزانيات التسيير ،كانت الدولة بكلمة واحدة أشبه بفريسة بين الضباع ،كان الوضع السياسي يشبه البركان.. انسداد وتطاحن وعدم ثقة ومحو الآخر ،كل المؤشرات "صفرية "لم يكن غزواني حين وصوله لمكتب الرئاسة على دراية بما ينتظره وقد فسدت كل حساباته واصبح في وضع لا يعرف من أين يبدأ ،ومع ذلك وبهدوء تم تصحيح الاختلالات بالنسبة لديون الدولة وبالنسبة لوضع الخزينة والبنك المركزي حيث مكنت الخطط المتبعة من حشد الكثير من الأموال إلى أن وصلت الخزينة درجة التخمة هذه والبنك المركزي والمداخيل الضريبية ،كان هناك ألف عمل يجب القيام به في نفس الوقت على أمل أن تظل الدولة موجودة وبانعدام الكفاءات والمبادرات ظل ألرئيس يعمل بين 10إلى 12ساعة لليوم من أجل الحصول على هذه النتيجة ،في الوقت نفسه كان ولد عبدالعزيز الذي خرج من الحكم بمستوى قارون يصطاد في المياه العكرة وكانت كورونا تجلب الموت بأطنابها من حولنا حيث توقف كل شيء وانهارت كل المنظومات الصحية ومع ذلك لم تتوقف معارضتنا عن الحلم .
كما كان عليه مجددا علاج "انجازات عزيز غير المدروسة التي تهاوت بعد خروجه من السلطة حيث عادت الكهرباء للانقطاع رغم أنها ابتلعت ربع الدين الخارجي بما يزيد على مليار دولار ،وأخذت الأسعار تطاول عنان السماء لسببين ،تناقص العمل في المصانع العالمية ،وزيادة تكاليف الشحن والتأمين ، وكانت الآلية الوحيدة للتصدي للأسعار محليا هي "سونمكس" التي ابتلعها عزيز فيما ابتلع وبقيت الدولة من دون آلية ،نفس التاثير وقع مع إعدام شركة صيانة الطرقات حيث تحطمت الطرقات الوطنية وانعكس ذلك على سرعة وتكاليف حمولة البضاعة ،كان أفضل المتاح حينها خلق دخول بالنسبة للأسر التي كانت تحت خط الفقر وشملت تلك العملية تأمين دخل شهري صافي من ميزانية الدولة ل 100 ألف أسرة وتحمل أعباء ومصاريف التداوي ل630 ألف شخص بواسطة التأمين الصحي ،ومضاعفة رواتب المتقاعدين بين 49% إلى 100% ودمجهم ضمن التأمين الصحي ، وكان الجانب الآخر هو رفع التعرفة الجمركية عن المواد الاستهلاكية من الدرجة الأولى ،ودعم أسعار بعض المواد ، لكن المؤثرات الخارجية ظلت أقوى من قدرة الدولة ،مع ضعف تصورات القطاع الحكومي المكلف بالموضوع ،كما تم خلال فترة كورونا تبتي إجراءات مواجهة تأثيراتها بصفة عامة بما يقدر ب 53 مليار أوقية ،كل التدخلات استغرقت 240 مليار أوقية ،وقد صاحب ذلك اهتمام كبير بالشباب حيث تم رفع حاجز "سيدي ولد سالم " (منع سن 25سنة من الترشح للباكالوريا ومن ولوج الجامعة )نفس الحاجز تم رفعه بالنسبة للولوج للأسلاك الأمنية والعسكرية وقد مكن ذلك من توظيف 20 ألف شاب خلال سنتين في الوظيفة العمومية في مختلف الأسلاك المالية والعسكرية والطبية وغيرها ،كما ظلت الجامعة ومدرسة الإدارة والصحافة والقضاء ومراكز التكوين تعمل بأقصى طاقاتها،ومن جهتها أمنت وزارة الشباب 18 ألف فرصة عمل ،كما فجر إنشاء شركة لتنظيم وتأطير التنقيب الأهلي عن الذهب قنبلة في التوظيف خلقت 50 ألف فرصة عمل وانعاش في الدخل وفي الحركية الإقتصادية وفي زيادة مخزون الدولة من الذهب ،لقد قال أحدهم للرئيس أنه ينبغي ان يتم منح رخص الذهب للأجانب فاجابه الرئيس "ليس قبل أن يأخذ أبناؤنا نحن كل ما تصله أيديهم أو قوّتهم " وهاهي الشركة تتقدم في تحسين الظروف والشروط لهذا القطاع وتوسع رقعتها في تجيريت لتفتح المزيد من فرص العمل ،ورغم كل ذلك يظل الرئيس غير راض عن وضعية الشباب ويتعهد بالمزيد والمزيد معتبرا الشباب هو نقطة الارتكاز في بناء الدولة .
لقد اتضح من خلال الخطاب أن الرئيس أيضا غير راض عن أداء الحكومة ولا عن أداء الإدارة ووعد في ضوء استراتيجية ثلاثية الأبعاد بالتصحيح ، وقد كانت هذه الأبعاد تقوية تكوين الشباب وفتح فرص الولوج للإقتصاد أمامهم ،تقوية محاربة الفساد من خلال دعم الإجراءات على ثلاثة مستويات توسيع وتطوير الآلية ومستوى مكافحة الفساد تقوية الادوات الموجودة وإنشاء آليات جديدة ، اما البعد الثاني فهو تقوية فصل السلطات ودعم استقلالية القضاء . كان البعد الثالث هو تطبيع الحياة السياسية وفتح حوار قبل نضج ظروفه مع معارضة متشرذمة وتدعم وتحاول زعاماتها البروز بالخطاب الشرائحي ودعم الدعوات والتنازلات الفئوية ،مع أن المعارضات المعتدلة لم تنضج رؤية من جهتها لحوار وطني ،ورغم ذلك أكد الرئيس مضيه في حوار بلا سقف وبلاحدود وعلى نحو موغل في البحث عن تمثيل شامل للموريتانيين ،تم فتح المجال لصمبا اتيام الذي هو زعيم حركة انفصالية حملت السلاح في وجه وحدة البلد وتم اعتماد مفهوم جديد هو "المترشحون السابقون للرئاسيات" الذين جمّعوا 48 ونيف في المائة من أصوات الناخبين أي الحرص الكبير على فتح الباب على مصراعيه لكل البلد تصوراته وتطلعاته وكل تياراته المعتدلة والمتطرفة الواقعية والحالمة ،كل ذلك في سبيل فتح المجال لعودة الجميع لبلدهم وفق ضمانات للولوج للحياة العامة في البلد هم من يحددونها ،ولأجل تطبيع الحياة السياسية مع الفرقاء .
كما تضمن الخطاب رفع مستوى القوة الشرائية وتمكين المؤسسة الجديدة من أن تلعب دورها في التصدي لعمليات الاحتكار والمضاربة .
كان الخطاب على نحو واضح يترنح بين عاملين قويين :روح ومضمون ،كانت الروح هي التفاؤل والصراحة والالتزام بتنفيذ كامل تعهداته الانتخابية خلال عهدته ،وكان المضمون هو الانتقال من الاعتراف بالنواقص إلى تصحيحها، إلى خلق آليات جديدة للتنمية ، لمحاربة الفساد لدمج الشباب .
وهكذا يكون على الذين يحركون دفة السياسية المساهمة في تحقيق هذه الالتزامات كلا من موقعه، خاصة أن البلد ينتظر الكثير من المال وتفتق الكثير من الموارد ويجب أن تكون هنالك آلية وطنية لاستفادة الجميع .